الإمام عليه مسئولية عظمى، وهو ضامن، وله الخير الكثير إن أحسن، وفضل الإمامة مشهور، تولاها النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه، ولم يختاروا لها إلا الأفضل، وفي الحديث: (ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة: رجل أم قوما وهم به راضون) الحديث، وفي الحديث الآخر أن له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه. ومن علم من نفسه الكفاءة؛ فلا مانع من طلبه للإمامة؛ فقد (قال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعلني إمام قومي. قال: " أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم) ويشهد لذلك أيضا قوله تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} وينبغي لمن تولى الإمامة أن يهتم بشأنها، وأن يوفيها حقها ما استطاع، وله في ذلك الأجر العظيم، ويراعي حالة المأمومين، ويقدر ظروفهم، ويتجنب إحراجهم، ويرغبهم ولا ينفرهم؛ عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم بالناس؛ فليخفف؛ فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه؛ فليطول ما شاء) رواه الجماعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي " الصحيح " من حديث أبي مسعود: (أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس؛ فليوجز؛ فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة) ويقول أحد الصحابة (ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم) وهو القدوة في ذلك وفي غيره. قال الحافظ: " من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الإيجاز والإتمام؛ لا يشتكى منه تطويل، والتخفيف المطلوب هو التخفيف الذي يصحبه إتمام الصلاة بأداء أركانها وواجباتها وسننها على الوجه المطلوب، والتخفيف المأمور به أمر نسبي يرجع إلى ما فعله صلى الله عليه وسلم وواظب عليه وأمر به، لا إلى شهوة المأمومين. قال بعض العلماء: ومعنى التخفيف المطلوب: هو الاقتصار على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة، وأدنى الكمال في التسبيح في الركوع والسجود هو أن يأتي بثلاث تسبيحات، وإذا آثر المأمومون التطويل، وعددهم ينحصر، بحيث يكون رأيهم في طلب التطويل واحدا؛ فلا بأس أن يطول الإمام الصلاة؛ لاندفاع المفسدة، وهي التنفير. قال الإمام ابن دقيق العيد: " قول الفقهاء: " لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات "؛ لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يزيد على ذلك؛ لأن رغبة الصحابة في الخير. تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ليس له أن يزيد على قدر المشروع، وينبغي أن يفعل غالبا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبا، ويزيد وينقص للمصلحة؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد وينقص أحيانا للمصلحة ". وقال النووي: " قال العلماء: واختلاف قدر القراءة في الأحاديث كان بحسب الأحوال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من حال المؤمنين في وقت أنهم يؤثرون التطويل؛ فيطول بهم، وفي وقت لا يؤثرونه لعذر ونحوه؛ فيخفف، وفي وقت يريد إطالتها، فيسمع بكاء الصبي، فيخفف كما ثبت ذلك في الصحيح " انتهى.
ويكره أن يخفف الإمام في الصلاة تخفيفا لا يتمكن معه المأموم من الإتيان بالمسنون؛ كقراءة السورة، والإتيان بثلاث تسبيحات في الركوع والسجود. ويسن أن يرتل القراءة، ويتمهل في التسبيح والتشهد بقدر ما يتمكن من خلفه من الإتيان بالمسنون من التسبيح ونحوه، وأن يتمكن من ركوعه وسجوده. ويسن للإمام أن يطيل الركعة الأولى؛ لقول أبي قتادة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يطول في الركعة الأولى) متفق عليه. ويستحب للإمام إذا أحس بداخل وهو في الركوع أن يطيل الركوع حتى يلحقه الداخل فيه ويدرك الركعة؛ إعانة له على ذلك؛ لما رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن أبي أوفى في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول في الركعة الأولى من صلاة الظهر، حتى لا يسمع وقع قدم. ما لم يشق هذا الانتظار على مأموم، فإن شق عليه؛ تركه، لأن حرمة الذي معه أعظم من حرمة الذي لم يدخل معه. وبالجملة؛ فيجب على الإمام أن يراعي أحوال المأمومين، ويراعي إتمام الصلاة وإتقانها، ويكون مقتديا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، عاملا بوصاياه وأوامره؛ ففيها الخير للجميع. وبعض الأئمة قد يتساهل في شأن الإمامة ومسئوليتها، ويتغيب كثيرا عن المسجد، أو يتأخر عن الحضور، مما يحرج المأمومين، ويسبب الشقاق، ويشوش على المصلين، ويكون هذا الإمام قدوة سيئه للكسالى والمتساهلين بالمسئولية؛ فمثل هذا يجب الأخذ على يده، حتى يواظب على أداء مهمته بحزم، ولا ينفر المصلين، ويعطل إمامة المسجد، أو ينحى عن الإمامة إذا لم يراجع صوابه. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه.