روى أهل السنن؛(أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؛ قال: الصلاة في جوف الليل) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن في الليل ساعة، لا يوافقها عبد مسلم، يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة؛ إلا أعطاه إياه) وقال صلى الله عليه وسلم: (وعليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم) رواه الحاكم.
وقد مدح الله القائمين من الليل: قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
والنصوص في ذلك كثيرة تدل على فضل قيام الليل، فالتطوع المطلق أفضله قيام الليل؛ لأنه أبلغ في الإسرار، وأقرب إلى الإخلاص، ولأنه وقت غفلة الناس، ولما فيه من إيثار الطاعة على النوم والراحة. ويستحب التنفل بالصلاة في جميع الأوقات؛ غير أوقات النهي، وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار، لما سبق، وأفضل صلاة الليل الصلاة في ثلث الليل بعد نصفه؛ لما في " الصحيح " مرفوعا: (أفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه) فكان يريح نفسه بنوم أول الليل، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه، فيقول: (هل من سائل فأعطيه سؤله ؟) ثم ينام بقية الليل في السدس الأخير، ليأخذ راحته، حتى يستقبل صلاة الفجر بنشاط، هذا هو الأفضل، وإلا؛ فالليل كله محل القيام.
قال الإمام أحمد رحمه الله: " قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر ". وعليه؛ فالنافلة بين العشاءين من قيام الليل، لكن تأخير القيام إلى آخر الليل أفضل كما سبق، قال تعالى:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} والناشئة هي القيام بعد النوم، والتهجد إنما يكون بعد النوم فينبغي للمسلم أن يجعل له حظا من قيام الليل، يداوم عليه، وإن قل.
- وينبغي أن ينوي قيام الليل.
- فإذا استيقظ؛ استاك، وذكر الله، وقال: " لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله "، ويقول: " الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره ".
- ويستحب أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين؛ لحديث أبي هريرة: (إذا قام أحدكم من الليل؛ فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين) رواه مسلم وغيره.
- ويسلم في صلاة الليل من كل ركعتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) رواه الجماعة، ومعنى: " مثنى مثنى "؛ أي: ركعتان ركعتان، بتشهد وتسليمتين، فهي ثنائية لا رباعية.
- وينبغي إطالة القيام والركوع والسجود.
- وينبغي أن يكون تهجده في بيته؛ فقد اتفق أهل العلم على أن صلاة التطوع في البيت أفضل، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته، وقال عليه الصلاة والسلام: (صلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته؛ إلا المكتوبة) رواه مسلم، ولأنه أقرب إلى الإخلاص.
- وصلاة النافلة قائما أفضل من الصلاة قاعدا بلا عذر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى قائما؛ فهو أفضل، ومن صلى قاعدا؛ فله نصف أجر صلاة القائم) متفق عليه.
- وأما من صلى النافلة قاعدا لعذر؛ فأجره كأجر القائم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر؛ كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم) وجواز التطوع جالسا مع القدرة على القيام مجمع عليه.
- ويختم صلاته بالوتر؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل آخر صلاته بالليل وترا، وأمر بذلك في أحاديث كثيرة.
ومن فاته تهجده من الليل؛ استحب له قضاؤه قبل الظهر؛ لحديث: (من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر؛ كتب له، كأنما قرأه من الليل) أيها المسلم! لا تحرم نفسك من المشاركة في قيام الليل، ولو بشيء قليل تداوم عليه؛ لتنال من ثواب القائمين المستغفرين بالأسحار، وربما يدفع بك القليل إلى الكثير، والله لا يضيع أجر المحسنين.