اعلم وفقني الله وإياك وجميع المسلمين أن ديننا كامل متكامل، ما ترك شيئا مما يحتاجه الناس في دينهم ودنياهم؛ إلا بينه، ومن ذلك آداب قضاء الحاجة؛ ليتميز الإنسان الذي كرمه الله عن الحيوان بما كرمه الله به؛ فديننا دين النظافة ودين الطهر؛ فهناك آداب شرعية تفعل عند دخول الخلاء وحال قضاء الحاجة.
فإذا أراد المسلم دخول الخلاء - وهو المحل المعد لقضاء الحاجة -؛ فإنه يستحب له أن يقول: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث. ويقدم رجله اليسرى حال الدخول، وعند الخروج يقدم رجله اليمنى، ويقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني. وذلك لأن اليمنى تستعمل فيما من شأنه التكريم والتجميل، واليسرى تستعمل فيما من شأنه إزالة الأذى ونحوه.
وإذا أراد أن يقضي حاجته في فضاء - أي: في غير محل معد لقضاء الحاجة - فإنه يستحب له أن يبعد عن الناس؛ بحيث يكون في مكان خال، ويستتر عن الأنظار بحائط أو شجرة أو غير ذلك، ويحرم أن يستقبل القبلة أو يستدبرها حال قضاء الحاجة، بل ينحرف عنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة، وعليه أن يتحرز من رشاش البول أن يصيب بدنه أو ثوبه، فيرتاد لبوله مكانا رخوا، حتى لا يتطاير عليه شيء منه.
ولا يجوز له أن يمس فرجه بيمينه، وكذلك لا يجوز له أن يقضي حاجته في طريق الناس، أو في ظلهم، أو موارد مياههم؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لما فيه من الإضرار بالناس وأذيتهم.
ولا يدخل موضع الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل أو فيه قرآن، فإن خاف على ما معه مما فيه ذكر الله؛ جاز له الدخول به، ويغطيه. ولا ينبغي له أن يتكلم حال قضاء الحاجة؛ فقد ورد في الحديث أن الله يمقت على ذلك، ويحرم عليه قراءة القرآن.
فإذا فرغ من قضاء الحاجة؛ فإنه ينظف المخرج بالاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالأحجار أو ما يقوم مقامها، وإن جمع بينهما؛ فهو أفضل، وإن اقتصر على أحدهما؛ كفى.
والاستجمار يكون بالأحجار أو ما يقوم مقامها من الورق الخشن والخرق ونحوها مما ينقى المخرج وينشفه، ويشترط ثلاث مسحات منقية فأكثر إذا أراد الزيادة.
ولا يجوز الاستجمار بالعظام ورجيع الدواب - أي: روثها - لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وعليه أن يزيل أثر الخارج وينشفه؛ لئلا يبقى شيء من النجاسة على جسده، ولئلا تنتقل النجاسة إلى مكان آخر من جسده أو ثيابه.
قال بعض الفقهاء: إن الاستنجاء أو الاستجمار شرط من شروط صحة الوضوء لا بد أن يسبقه، فلو توضأ قبله؛ لم يصح وضوؤه، لحديث المقداد المتفق عليه: (يغسل ذكره، ثم يتوضأ)
قال النووي: والسنة أن يستنجي قبل الوضوء، ليخرج من الخلاف، ويأمن انتقاض طهره.
أيها المسلم ! احرص على التنزه من البول؛ فإن عدم التنزه منه من موجبات عذاب القبر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه) رواه الدارقطني، قال الحافظ: " صحيح الإسناد، وله شواهد، وأصله في " الصحيحين ".
أيها المسلم! إن كمال الطهارة يسهل القيام بالعبادة، ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها. روى الإمام أحمد رحمه الله عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح، فقرأ الروم فيها، فأوهم، فلما انصرف؛ قال: إنه يلبس علينا القرآن، إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصلاة معنا؛ فليحسن الوضوء) وقد أثنى الله على أهل مسجد قباء بقوله: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} ولما سئلوا عن صفة هذا التطهر؛ قالوا: (إنا نتبع الحجارة الماء) رواه البزار.
وهنا أمر يجب التنبيه عليه، وهو أن بعض العوام يظن أن الاستنجاء من الوضوء، فإذا أراد أن يتوضأ؛ بدأ بالاستنجاء، ولو كان قد استنجى سابقا بعد قضاء الحاجة، وهذا خطأ؛ لأن الاستنجاء ليس من الوضوء، وإنما هو من شروطه؛ كما سبق، ومحله بعد الفراغ من قضاء الحاجة، ولا داعي لتكراره من غير وجود موجبه - وهو قضاء الحاجة وتلوث المخرج بالنجاسة.
أيها المسلم! هذا ديننا دين الطهارة والنظافة والنزاهة، أتى بأحسن الآداب وأكرم الأخلاق، استوعب كل ما يحتاجه المسلم، وكل ما يصلحه، ولم يغفل شيئا فيه مصلحة لنا؛ فلله الحمد والمنة، ونسأله الثبات على هذا الدين، والتبصر في أحكامه، والعمل بشرائعه، مع الإخلاص لله في ذلك، حتى يكون عملنا صحيحا مقبولا.