لما كان الإنسان عرضة للنسيان والذهول، وكان الشيطان يحرص على أن يشوش عليه صلاته ببعث الأفكار وإشغال باله بها عن صلاته، وربما ترتب على ذلك نقص في الصلاة أو زيادة فيها بدافع النسيان والذهول؛ فشرع الله للمصلي أن يسجد في آخر صلاته؛ تفاديا لذلك، وإرغاما للشيطان، وجبرا للنقصان، وإرضاء للرحمن، وهذا السجود هو ما يسميه العلماء سجود السهو.
والسهو هو النسيان، وقد سها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وكان سهوه من تمام نعمة الله على أمته وإكمال دينهم؛ ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو؛ فقد حفظ عنه صلى الله عليه وسلم وقائع السهو في الصلاة، سلم من اثنتين فسجد، وسلم من ثلاث فسجد، وقام من اثنتين ولم يتشهد فسجد،وغير ذلك، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا سها أحدكم؛ فليسجد)
و يشرع سجود السهو لأحد ثلاثة أمور
أولاً: إذا زاد في الصلاة سهوا
ثانيا: إذا نقص منها سهوا
ثالثا: إذا حصل عنده شك في زيادة أو نقص
فيسجد لأحد هذه الثلاثة حسبما ورد به الدليل، لا لكل زيادة أو نقص أو شك.
ويشرع سجود السهو إذا وجد سببه، سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة؛ لعموم الأدلة.
فالحالة الأولى من الأحوال التي يشرع لها سجود السهو: هي حالة الزيادة في الصلاة، وهي إما زيادة أفعال أو زيادة أقوال:
- فزيادة الأفعـال إذا كانت زيادة من جنس الصلاة؛ كالقيام في محل القعود، والقعود في محل القيام، أو زاد ركوعا أو سجودا، فإذا فعل ذلك سهوا؛ فإنه يسجد للسهو؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: (فإذا زاد الرجل أو نقص قي صلاته؛ فليسجد سجدتين) رواه مسلم، ولأن الزيادة في الصلاة نقص من هيئتها في المعنى، فشرع السجود لها؛ لينجبر النقص وكذا لو زاد ركعة سهوا، ولم يعلم إلا بعد فراغه منها؛ فإنه يسجد للسهو، أما إن علم في أثناء الركعة الزائدة؛ فإنه يجلس في الحال، ويتشهد إن لم يكن تشهد، ثم يسجد للسهو ويسلم.
وإن كان إماما؛ لزم من علم من المأمومين بالزيادة تنبيهه بأن يسبح الرجال وتصفق النساء، ويلزم الإمام حينئذ الرجوع إلى تنبيههم إذا لم يجزم بصواب نفسه؛ لأنه رجوع إلى الصواب، وكذا يلزمهم تنبيهه على النقص.
- وأما زيادة الأقوال؛ كالقراءة في الركوع والسجود، وقراءة سورة في الركعتين الأخيرتين من الرباعية والثالثة من المغرب، فإذا فعل ذلك سهوا، استحب له السجود للسهو.
وأما الحالة الثانية، وهي ما إذا نقص من الصلاة سهوا، بأن ترك منها شيئا: فإن كان المتروك ركنا، وكان هذا الركن تكبيرة الإحرام؛ لم تنعقد صلاته، ولا يغني عنه سجود السهو. وإن كان ركنا غير تكبيرة الإحرام، كركوع أو سجود، وذكر هذا المتروك قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى؛ فإنه يعود وجوبا، فيأتي به وبما بعده، وإن ذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى، بطلت الركعة التي تركه منها، وقامت الركعة التي تليها مقامها؛ لأنه ترك ركنا لم يمكنه استدراكه؛ لتلبسه بالركعة التي بعدها.
وإن لم يعلم بالركن المتروك إلا بعد السلام، فإنه يعتبره كترك ركعة كاملة، فإن لم يطل الفصل، وهو باق على طهارته؛ أتى بركعة كاملة، وسجد للسهو، وسلم، وإن طال الفصل، أو انتقض وضوؤه؛ استأنف الصلاة من جديد؛ إلا أن يكون المتروك تشهدا أخيرا أو سلاما، فإنه لا يعتبر كترك ركعة كاملة، بل يأتي به ويسجد ويسلم.
وإن نسي التشهد الأول، وقام إلى الركعة الثالثة؛ لزمه الرجوع للإتيان بالتشهد؛ ما لم يستتم قائما، فإن استتم قائما؛ كره رجوعه، فإن رجع؛ لم تبطل صلاته، وإن شرع في القراءة؛ حرم عليه الرجوع، لأنه تلبس بركن آخر؛ فلا يقطعه. وإن ترك التسبيح في الركوع أو السجود؛ لزمه الرجوع للإتيان به؛ ما لم يعتدل قائما في الركعة الأخرى، ويسجد للسهو في كل هذه الحالات.
وأما الحالة الثالثة - وهي حالة الشك في الصلاة -: فإن شك في عدد الركعات؛ بأن شك أصلى ثنتين أم ثلاثا مثلا؛ فإنه يبني على الأقل، لأنه المتيقن، ثم يسجد للسهو قبل السلام؛ لأن الأصل عدم ما شك فيه، ولحديث عبد الرحمن بن عوف: (إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين، فليجعلها واحدة، أو لم يدر ثنتين أو ثلاثا، فليجعلها اثنتين) رواه أحمد ومسلم والترمذي. وإن شك المأموم أدخل مع الإمام في الأولى أو في الثانية، جعله في الثانية، أو شك هل أدرك الركعة أو لا؛ لم يعتد بتلك الركعة، ويسجد للسهو. وإن شك في ترك ركن؛ فكما لو تركه، فيأتي به وبما بعده على التفصيل السابق. وإن شك في ترك واجب؛ لم يعتبر هذا الشك، ولا يسجد للسهو، وكذا لو شك في زيادة؛ لم يلتفت إلى هذا الشك، لأن الأصل عدم الزيادة. هذه جمل من أحكام سجود السهو، ومن أراد الزيادة؛ فليراجع كتب الأحكام، والله الموفق.