ملخص الخطبة
وجوب المحافظة على الصلوات وكيفية ذلك- أهمية الصلاة ومنزلتها ودليل ذلك- الصلاة صلة متجددة بين العبد وربه ، وأثر ذلك على القلب والجوارح- حال كثير من الناس في الصلاة وعدم استشعارهم لذتها وسبب ذلك- أهمية الخشوع في الصلاة ، والسبيل إلى ذلك
الخطبة الأولى
أما بعد
أيها الناس: اتقوا الله تعالى؛ وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، حافظوا على الصلوات بأداء أركانها وشروطها وواجباتها ثم كملوها بفعل مستحباتها فإن الصلاة عمود الدين ولا دين لمن لا صلاة له
أيها المسلمون لقد فرضت الصلاة على نبيكم من الله تعالى إليه بلا واسطة، وفرضت فوق السماوات العلى، وفرضت خمسين صلاة حتى خفضت إلى خمس صلوات بالفعل وخمسين بالميزان، ألم يكن هذا أكبر دليل على فضلها والعناية بها. الصلاة صلة بين العبد وربه يقف بين يديه مكبرا معظما يتلو كتابه ويسبحه ويعظمه ويسأله من حاجات دينه ودنياه ما شاء جدير بمن كان متصلا بربه أن ينسى كل شيء دونه وأن يكون حين هذه الصلة خاشعا قانتا مطمئنا مستريحا ولذلك كانت الصلاة قرة أعين العارفين، وراحة قلوبهم لما يجدون فيها من اللذة والأنس بربهم ومعبودهم ومحبوبهم، جدير بمن اتصل بربه أن يخرج من صلاته بقلب غير القلب الذي دخلها فيه أن يخرج منها مملوءا قلبه فرحا وسرورا وإنابة إلى ربه وإيمانا، ولذلك كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لما يحصل للقلب منها من النور والإيمان والإنابة، جدير بمن عرف حقيقة الصلاة وفائدتها وثمراتها أن تكون أكبر همه وأن يكون منتظرا لها مشتاقا إليها ينتظر تلك الساعة بغاية الشوق حتى إذا بلغها ظفر بمطلوبه واتصل اتصالا كاملا بمحبوبه
أيها المسلمون: إن كثيرا من المصلين لا يعرفون فائدة الصلاة حقيقة ولا يقدرونها حق قدرها ولذلك ثقلت الصلاة عليهم ولم تكن قرة لأعينهم ولا راحة لأنفسهم ولا نورا لقلوبهم نرى كثيرا منهم ينقرون الصلاة نقر الغراب لا يطمئنون فيها ولا يذكرون الله فيها إلا قليلا، وهؤلاء لا صلاة لهم ولو صلوا ألف مرة لأن الطمأنينة في الصلاة ركن من أركانها ولذلك قال النبي للرجل الذي كان لا يطمئن في صلاته: ((ارجع فصل فإنك لم تصل)) فصلى عدة مرات وكل مرة يقول له النبي ارجع فصل فإنك لم تصل حتى علَّمه النبي وأمره بالطمأنينة
وتجد كثيرا من الناس إن لم يكن أكثر الناس يصلي بجسمه لا بقلبه، جسمه في المصلى وقلبه في كل واد فليس في قلبه خشوع لأنه يجول ويفكر في كل شيء حتى في الأمور التي لا مصلحة له منها وهذا ينقص الصلاة نقصا كبيرا، وهو الذي يجعلها قليلة الفائدة للقلب بحيث يخرج هذا المصلي من صلاته وهي لم تزده إيمانا ولا نورا، وقد فشا هذا الأمر أعني الهواجيس في الصلاة، ولكن الذي يعين على إزالته هو أن يفتقر العبد إلى ربه ويسأله دائما أن يعينه على إحسان العمل وأن يستحضر عند دخوله في الصلاة أنه سيقف بين يدي ربه وخالقه الذي يعلم سره ونجواه ويعلم ما توسوس به نفسه وأن يعتقد بأنه إذا أقبل على ربه بقلبه أقبل الله عليه وإن أعرض أعرض الله عنه، وأن يؤمن بأن روح الصلاة ولبها هو الخشوع فيها وحضور القلب وأن الصلاة بلا خشوع القلب كالجسم بلا روح وكالقشور بلا لب
ومن الأمور التي تستوجب حضور القلب أن يستحضر معنى ما يقول وما يفعل في صلاته وأنه إذا كبر ورفع يديه فهو تعظيم لله وإذا وضع اليمنى على اليسرى فهو ذل بين يديه وإذا ركع فهو تعظيم لله وإذا سجد فهو تطامن أمام علو الله، وإنه إذا قال: ((الحمد لله رب العالمين أجابه الله من فوق عرشه قائلا: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله: أثنى عليَّ عبدي فإذا قال: مالك يوم الدين قال الله: مَجَّدَني عبدي فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل))، هكذا يجيبك مولاك من فوق سبع سماوات فاستحضر ذلك وإنك إذا قلت سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى وإن كنت تقولها بصوت خفي فإن الله تعالى يسمع ذلك وهو فوق عرشه، فما ظنك إذا آمنت بأن الله تعالى يقبل عليك إذا أقبلت عليه في الصلاة وأنه يسمع كل قول تقوله وإن كان خفيا، ويرى كل فعل تفعله وإن كان صغيرا، ويعلم كل ما تفكر فيها وإن كان يسيرا، إذا نظرت إلى موضع سجودك فالله يراك وإن أشرت بإصبعك عند ذكر الله في التشهد فإنه تعالى يرى إشارتك فهو تعالى المحيط بعبده علما وقدرة وتدبيرا وسمعا وبصرا وغير ذلك من معاني ربوبيته
فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون وأقيموا صلاتكم وحافظوا عليها واخشعوا فيها فقد قال ربكم في كتابه: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون المؤمنون:1-11بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. .
الخطبة الثانية
لم ترد
المنبر للخطب