ملخص الخطبة
الأمر بتقوى الله ، وبيان معنى الإسلام الذي ارتضاه الله لنا ، وأنه ليس عقيدة فحسب ولكنه عقيدة وقول وعمل - الصلاة من أعظم أركانه الإسلام بعد الشهادتين ، واحتفاء الشرع بها في فرضها - نعمة الصلاة وكيفية شكرها ، وما فيها من صلة بين العبد وربه - أثر إقامة الصلاة والمحافظة عليها وفضل ذلك - تهاون كثير من الناس اليوم بأمر الصلاة وإضاعتها وخطورة ذلك والأدلة على ذلك من القرآن والسنة - كفر تارك الصلاة والدليل عليه ، واتفاق الصحابة على ذلك.
الخطبة الأولى
أما بعد
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله تعالى رضي لكم دينا لم يرض لكم دينا سواه، رضي لكم الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين . رضي لكم الإسلام وهو الاستسلام لله تعالى والانقياد له ظاهرا وباطنا في العقيدة والقول والعمل ليس الإسلام عقيدة فحسب ولكن الإسلام عقيدة وقول وعمل.
إن الإسلام كما لا يكون بالعمل وحده لا يكون كذلك بالعقيدة وحدها. يقول النبي : ((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام)). يقول بُنِيَ الإسلام ومعنى ذلك أن هذه الأصول هي دعائم الإسلام التي لا يمكن أن يقوم إلا بها كما لا يقوم البناء إلا بأساسه
أيها الناس: من هذا الحديث يتبين لنا أن الصلاة ركن من أركان الإسلام بل هي ركنه الأعظم بعد الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهولقد روي عن رسول الله أنها عمود الدين حيث قال: ((رأس الأمرِ الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)). هذه الصلاة التي فرضها الله على رسوله وعلى أمته: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً [النساء:103]. كتاباً أي فريضة. موقوتا، موقوتا بوقت لكل صلاة وقتها التي لا تصح إلا فيه إلا أن يكون ثَم عذر، الصلاة التي فرضها الله على رسوله مباشرة بدون واسطة، فرضها عليه في أعلى مكان يصل إليه بشر، وفي أفضل وقت مر على رسول الله فرضها عليه ليلة المعراج وهو فوق السماوات السبع، وفرضها أول ما فرضها على النبي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، وهذا دليل واضح على محبة الله لها وعنايته بها، وأنها جديرة بأن يستوعب المسلم فيها جزء كبيرا من وقته لأنها الصلة بينه وبين ربه وخالقه يجد فيها راحة نفسه وطمأنينة قلبه، ولذلك كانت قرة عين الرسول فرضها الله على عباده خمسين صلاة في كل يوم وليلة، ولكنه تبارك وتعالى خفف عنهم فكانت خمسا بالفعل وخمسين في الميزان، ففي هذه الخمس مصالح الخمسين وثواب الخمسين.
أفلا تشكرون أيها المسلمون ربكم على هذه النعمة الكبيرة التي أولاكم بها وتقومون بواجبها فتؤدونها في أوقاتها بأركانها وواجباتها وشروطها في تكملونها بمكملاتها
أيها المسلمون: إن الصلاة صلة بينكم وبين ربكم، فالمصلي إذا قام في صلات استقبله الله بوجهه فإذا قرأ: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي، وإذا قرأ: الرحمن الرحيم ، قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قرأ: مالك يوم الدين . قال الله: مجدني عبدي، وإذا قرأ: إياك نعبد وإياك نستعين قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل. فإذا قرأ: اهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. أفنجد أيها المسلم صلة أقوى من تلك الصلة يجيبك ربك على قراءتك آية آية وهو فوق عرشه وأنت في أرضه عناية بصلاتك وتحقيقا لصلاتك. ولهذا كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا صلاها على الوجه الذي أُمر به لأنه اصطبغ بتلك الصلة التي حصلت له مع ربه فَقَوِيَ إيمانُه واستنار قلبه وتهذبت أخلاقه
أيها المسلمون إن من حافظ على الصلوات وأداها على الوجه المشروع كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ولقد شبه رسول الله هذه الصلوات الخمس بنهر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم وليلة خمس مرات فهل يبقى بعد هذا الاغتسال من وسخه شيء، كلا، فهذه الصلوات الخمس تغسل الذنوب عن المصلي غسلا فيكون نقيا بها من الذنوب فهي كفارة لما بينهن من الذنوب ما اجتنبت الكبائر
أيها المسلمون: إن ما ذكرناه من هذه الفضائل للصلوات الخمس ليس على سبيل الاستيعاب ولكنه قليل من كثيرومن عجب أن يجهل قوم من المسلمين قدر هذه الصلوات أو يتجاهلوه ويتغافلوا عنه حتى كانت الصلاة في أعينهم من أزهد الأعمال قدرا وصاروا لا يقيمون لها وزنا في حساب أعمالهم ولا يبذلون لها وقتا من ساعات أعمارهم، لا بل ربما يسخر بعض منهم بها فيتخذونه سخرية وهزوا ولعبا ويسخر ممن يصليها نسأل الله السلامة
فأي دين يا عباد الله لهذا أي دين يا عباد الله لشخص يدع هذا العمل يدع الصلاة مع يسر عملها وقلة ما تشغل من وقت وكثرة ثوابها وعظم مصالحها ومنافعها على القلب والبدن والفرد والجماعة والقول والعمل
فهي عون للمرء على عمله كما قال تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة وكان النبي إذا أهمه أمر قام إلى الصلاة، أي دين لشخص يدع الصلاة وهي التي جاء الوعيد في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله على من تهاون بها أو تغافل عنها قال الله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً وهذا الآية ظاهرة في أن من أضاع الصلاة واتبع الشهوات فليس بمؤمن لأن الله تعالى قال: إلا من تاب وآمن وقال سبحانه: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون
وأخبر النبي أن من لم يحافظ على هذه الصلوات فليس له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة ويحشر مع أئمة الكفر فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف فأي دين لشخص يدع الصلاة وهو يؤمن بهذا الوعيد على مضيعها والغافل قولك هذا لا يكفيك عند الله حتى تستلم وتنقاد لشريعة الله تعالى فإن الإيمان ما وقر في القلب وصدقته الأعمال ونقول له المنافقون يقولون لا إله إلا الله: ولا يذكرون الله إلا قليلًا [النساء:142]. والمنافقون يقولون للرسول إذا جاءوا إليه: نشهد إنك لرسول الله [المنافقون:1]. والمنافقون يصلون: وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى [النساء:142]
أفترى أنهم كانوا مسلمين وناجين من النار، لا، استمع قول الله تعالى: إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً [النساء:140]. إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً [النساء:145وإذا أراد أن يجادل ويلبّس فإن لدينا نصا صريحا في كفر تارك الصلاة فقد ثبت عن رسول الله أنه قال: ((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)). وقال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))
وقال عبد الله بين شقيق كان أصحاب النبي لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. وهذا الكفر الذي ذكره النبي ورآه الصحابة رضي الله عنهم ليس كفر نعمة كما قال بعضهم ولا أنه خصلة من خصال الكفر كما قاله آخرون، ولكنه الكفر الأكبر المخرج عن دين الإسلام
فإن النبي قال: ((الكفر))، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وفرق بين (الكفر) المعرف باللام يعني الدالّ على الكفر المطلق وبين (كفر) المنكر في الإثبات. ولنا دليل مركب من دليلين على أن تارك الصلاة كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملة هو أن النبي نهى عن منازعة ولاة الأمور أمرهم قال: ((إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان)) وقال : ((شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم قالوا: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة))
ومن هذين الدليلين أخذ أن ترك الصلاة يبيح منابذة الأئمة فيكون كفرا بواحا. فترك الصلاة ردة عن الإسلام وكفر بالله والردة عن الإسلام لها أحكام في الدنيا وأحكام في الآخرة.
أما أحكام الدنيا فإن المرتد ينفسخ نكاحه من زوجته، وتحل لغيره، ويكون استمتاعه بها استمتاعا بامرأة أجنبية منه، وأولاده منها بعد ردته ليسوا أولادا شرعيين، ويجب قتله إذا استمر على ردته، ولا يغسل لأنه لا يطهره الماء وهو كافر، ولا يصلى عليه، ولا يستغفر له، ولا يدعى له بالرحمة، ولا يدفن مع المسلمين ويكون ماله في بيت مال المسلمين لا يرثه أقاربه
وأما أحكام الآخرة فإنه يحرم دخول الجنة ويدخل النار خالدا فيها أبدا
فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على صلواتكم فماذا يبقى من دينكم إذا ضيعتموها، فإن آخر ما تفقدون من دينكم الصلاة. قال الإمام أحمد كل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء
اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومُنَّ علينا بالتوفيق لما تحب وترضى يا جزيل الهبات واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
لم ترد
المنبر للخطب