admin Admin
عدد المساهمات : 220 نقاط : 10021 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 20/07/2012 الموقع : https://quran.0wn0.com
| موضوع: قيام الليل الصلاة, فضائل الأزمنة والأمكنة صالح بن عبد الله بن حميد الإثنين سبتمبر 24, 2012 3:46 am | |
| ملخص الخطبة 1- العصر الحاضر أعظم العصور قسوة وأشدها دماراً. 2- مفتاح الإصلاح صلاح القلوب. 3- العبادة في الإسلام. 4- ضعف الإنسان. 5- فضل الصلاة. 6- فضل التهجد بالأسحار وقيام الليل. 7- قوّام الليل. 8- صغار الهمم. 9- أدواء من لا يقوم الليل. 10- الأسباب المعينة على قيام الليل. 11- الهدي الحسن في قيام الليل.
الخطبة الأولى أما بعد:
فأوصيكم – أيها الناس – ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، تقربوا إليه بطاعته، والإكثار من ذكره وشكره، وحسن عبادته، تودّدوا إليه بالتحدث بنعمه، والإحسان إلى خلقه، تعرفوا إليه في الرخاء يعرفْكم في الشدة، إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى، ومن خاف اليوم أمِن غداً، والربح لمن باع الفاني بالباقي، والخسران لمن سدّت مسامعه الشهوات، وآثر الحياة الدنيا.
أيها المسلمون، القارئون للتأريخ، والناظرون في أحوال الأمم يرون أن هذا العصر هو أعنف عصور البشرية، وأغزرها دماً، وأشدّها دماراً، إن من المفارقات العجيبة، والمقارنات اللافتة أن يكون ذلك في وقتٍ وصلت فيه الثقافة والعلوم والتعليم والمخترعات والمكتشفات إلى قوةٍ غير مسبوقة، فمن غير المنكور ما يعيشه العالم كلُّه من تقدم ماديّ له منجزات خيّرة وآثار نافعة في الاتصالات والمواصلات، والآلات والتقنيات، والصحة والتعليم وأسباب المعيشة، في آثارٍ إيجابية مشهودة في حياة الناس، ولكن ومع كلّ هذا النفع المشهود يصبح هذا العصر أعظم العصور قسوةً ووحشية، غريب وعجيب أن يكون التنوير سبيل التدمير، ولكن يزول العجب وترتفع الغرابة إذا استرجع المسلم قول الله عز وجل: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَـٰفِلُونَ [الروم:7]، غفلوا عن الآخرة، فنسوا ربهم، وجهِلوا حقيقة مهمَّتهم، شرّعوا لأنفسهم، واستبدّوا في أحكامهم، وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً [الفرقان:21]. لقد كَدّوا ذكاءهم، وسخروا علومهم، ووظّفوا مخترعاتهم في أسلحة الدمار، والصراع على موارد الخيرات، والتنافس غير الشريف.
إن الذي يستحق التوقف والتأمل أن هذا الجهد وهذا التنافس والتصارع الذي يُبذل على وجه هذه الأرض في هذه الميادين لو بُذِل أقل من نصفه في الأدب مع الله وتوقيره وابتغاء مرضاته لكسب الناس الدنيا والآخرة جميعاً، ولأظلهم الأمن الوارف، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكن كثيراً منهم كذبوا وظلموا وآذوا وأفسدوا وأوقدوا حروباً وأشعلوا صراعات وأثاروا مشكلاتٍ اقتصادية وسياسية، واستضعفوا أمماً، واستنقصوا حقوقاً، فأُخذوا بما كانوا يكسبون، ولا يزالون تصيبهم بما صنعوا القوارع.
إن أهل الإسلام – وهم في هذا الشهر المبارك – ليُعلنون أن باب الصلاح والإصلاح يكمُن في صلاح القلوب، وارتباطها بعلاّم الغيوب. طريق الصلاح والإصلاح لا يكون ولن يكون إلا بالخضوع التام لله الواحد القهار، عبادةً وتذللاً وانقياداً وتسليماً.
العبادة في الإسلام ذات مدلولٍ واسع، إيمانٌ صادق، وعملٌ صالح، قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162، 163]، مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:97]، بسم الله الرحمن الرحيم: وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ [سورة العصر].
ثم بعد ذلك امتلاك الحياة، والأخذ بالأسباب، مع الاعتماد على الله، وحسن التوكل عليه، وتسخير ذلك في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، وليكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة.
أيها الإخوة المسلمون، الإنسان ضعيف لا قوة له إلا حين يتصل بربه، الإنسان تواجهه قوى الشر، وتثقل عليه المقاومة بين دفع الشهوات وإغرءات المطامع، يثقل عليه مجاهدة الطغيان، وتطول به الجادَّة، وتبعد عليه الشُقَّة، ليس له في هذه الأمواج العاتية، ولا مفزع من التيارات الجارفة إلا الاعتصام بالله، واللياذ بجنابه.
أيها المسلمون، إن مناسبة الزمان الشريف الذي يعيشه المسلمون هذه الأيام تستدعي الحديث عن أهمِّ العبادات في الإسلام، وأعظمها اتصالاً بالله سبحانه، تلكم هي العبادة التي يفزع إليها نبينا محمد إذا حزبه أمر[1]، وقرّة عينه إذا ضاقت عليه المسالك.
الصلاة مورد النبع الذي لا يغيض، والكنز الذي يغني ويقني ويفيض حين تستحكم الأمور، ويشتد هجير الحياة، ((يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها)) [2].
الصلاة هي عمود الإسلام، وهي بإذن الله مفزع التائبين وملجأ الخائفين، ونور المتعبّدين، وبضاعة المتاجرين، تجلو صدأ القلوب بأنوارها، وتزيل حُجُب الغفلات بأذكارها، وتنير الوجوه بأسرارها وآثارها، ومن كان أقوى إيماناً كان أحسن صلاة، وأطول قنوتاً، وأعظم يقيناً.
جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: ((الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر منها فليستكثر)) [أخرجه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن] [3].
عباد الله، وتأتي صلاة الليل والتهجد في الأسحار ليتجلى هذا الاتصال بالله العلي الأعلى، في صورة من التعبّد بهية بهيجة، فقد صح في الخبر عن رسول الله أنه قال: ((أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة صلاة الليل)) [أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه] [4].
ولقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، والقدوة الأولى والأسوة العظمى نبينا محمد كان يقوم من الليل حتى تفطرت قدماه الشريفتان. [مُخرَّج في الصحيحين] [5].
أما في رمضان فكان يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره، وإذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد المئزر[6]، ((ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))[7]، ((وربنا ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول: أنا الملك من الذي يدعوني فأستجيب له؟! من الذي يسألني فأعطيه؟! من الذي يستغفرني فأغفر له؟!))[8]، وفي حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن))[9]، بل ((إن في الليل ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة)) [10].
في صلاة الليل يحيا بها - بإذن الله - ميِّت القلوب، وتشحَذ بها فاتر الهمم، قربةٌ إلى الله، ومنهاةٌ عن الإثم، وتكفيرٌ للسيئات، ومطردةٌ للداء عن الجسد، وفي الحديث: ((عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم))[11]، يقول وهب بن منبه رحمه الله: "قيام الليل يشرف به الوضيع، ويعزُّ به الذليل، وصيام النهار يقطع عن صاحبه الشهوات، وليس للمؤمن راحة دون الجنة"[12]، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: (من أحب أن يهوِّن الله عليه طول الوقوف يوم القيامة فليره الله في ظلمة الله ساجداً وقائماً، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) [13].
إنهم عباد الرحمن يبيتون لربهم سجداً وقياماً، انتزعوا نفوسهم من وثير الفرش، وهدوء المساكن، وسكون الليل، وسكون الكون، غالبوا هواتف النوم، وآثروا الأنس بالله، والرجاء في وعد الله، والخوف من وعيده، أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء ٱلَّيْلِ سَـٰجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ [الزمر:9].
عبادٌ لله قانتون متقون، قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17، 18].
لصلاة الليل عندهم أسرارها، وللأذكار في نفوسهم حلاوتها، وللمناجاة عندهم لذّتها، يقول أبو سليمان الداراني رحمه الله: "أهل الليل في ليلهم ألذّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا"[14]، ولما حضرت ابن عمر رضي الله عنهما الوفاة قال: (ما آسى على شيء من الدنيا إلا عن ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل)[15].
قيام الليل انقطاعٌ عن صخب الحياة، واتصال بالكريم الأكرم جل وعلا، وتلقي فيوضه ومنحه، والأنس به والتعرض لنفحاته والخلوة إليه.
الله أكبر، ما طاب لهم المنام لأنهم تذكروا وحشة القبور، وهول المُطَّلع يوم النشور، يوم يُبعَث ما في القبور، ويُحصَّل ما في الصدور، ولهذا قال قتادة رحمه الله: "ما سهر الليل بالطاعة منافقٌ"[16].
عبادٌ لله صالحون، تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [السجدة:16، 17].
لقد تعدَّدت مقاصدهم، واختلفت مطالبهم، وتنوّعت غاياتهم، والليل هو منهلُهم وموردهم، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ [البقرة:60]. فهذا محبٌ يتنعّم بالمناجاة، وذلك محسنٌ يزداد في الدرجات، ويسارع في الخيرات، ويجدّ في المنافسات، وآخر خائفٌ يتضرّع في طلب العفو، ويبكي على الخطيئة والذنب، ورَاجٍ يلحّ في سؤاله، ويصرّ على مطلوبه، وعاصٍ مقصّر يطلب النجاة، ويعتذر عن التقصير وسوء العمل، كلهم يدعون ربهم، ويرجونه خوفاً وطمعاً، فأنعم عليهم مولاهم، فأعطاهم واستخلصهم واصطفاهم، وقليل ما هم.
اكتفوا من الليل بيسير النوم، مشتغلين بالصلاة والقرآن والذكر والصوم، تلكم هي همم القوم، وتأملوا هذه الآيات العظيمة: وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً إِنَّ هَـٰؤُلاَء يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً [الإنسان:26، 27]. الليل ميدان ذوي الهمم العالية من أصحاب العبادات والدعوات، هو الزاد الصالح لرحلة الحياة، أما الذين يحبون العاجلة، فصغار الهمم صغيرو المطالب، يغرقون في العاجلة، وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً، وفي هذا يقول بعض السلف: "كيف يرجو النجاة من سوء الحساب من ينام الليل ويلهو بالنهار؟!!".
أما كثير من أبناء هذا العصر فلهوهم قد استغرق الليل والنهار، نعوذ بالله من الخذلان.
أيها الإخوة والأحبة، بضعف النفوس عن قيام الليل تقسو القلوب، وتجفّ الدموع، وتستحكم الغفلة، ذُكر رجلٌ عند رسول الله فقيل: ما زال نائماً حتى أصبح، فقال : ((ذاك رجل بال الشيطان في أذنه)) [متفق عليه] [17].
إذا أظلم الليل نامت قلوب الغافلين، وماتت أرواح اللاهين، من لم يكن له ورد من الليل فقد فرّط في حق نفسه تفريطاً كبيرا، وأهمل إهمالاً عظيما، أيُّّّ حرمان أعظم ممن تتهيّأ له مناجاة مولاه، والخلوة به، ثم لا يبادر ولا يبالي؟! ما منعه إلا التهاون والكسل، وما حرمه إلا النوم وضعف الهمة، ناهيك بأقوامٍ يسهرون على ما حرم الله، ويقطّعون ليلهم في معاصي الله، ويهلكون ساعاتهم بانتهاك حرمات الله، فشتان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
روى البيهقي في سننه الكبرى بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الله يبغض كل جعظري جوّاظ، سخاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالمٍ بأمر الدنيا، جاهلٍ بأمر الآخرة))[18].
لقد عشتم حتى رأيتم أجيالاً من المسلمين تُقطّع ليلها، وتسهر على العبث واللهو، في قنوات ماجنةٍ، وغناء ساقط، وتمتُّع هابط، لماذا تشكو بعض البيوت من ضعف الهمم عن قيام الليل، وتقفر منازل من المتهجدين المتعبدين؟ قيل لابن مسعود رضي الله عنه: ما نستطيع قيام الليل!! قال: (أقعدتكم ذنوبكم)[19]، وقال رجل لأحد الصالحين: لا أستطيع قيام الليل، فصف لي في ذلك دواءً، فقال: "لا تعصه بالنهار، وهو يقيمك بين يديه في الليل"[20].
فاجتهد – حفظك الله – أن تصلي ما تيسر من الليل، اجتهد أن تصلي التراويح، تصلي ما تيسر من الليل، والقليل من صلاة الليل كثير، واصبر على ذلك، وداوم عليه، فبالصبر والمداومة والإخلاص تنال من ربك التثبيت والمعونة، واعلم أن دقائق الليل غالية، فلا تُرخصها بالغفلة والتواني والتسويف، ومن أرخص الدقائق الغالية ثقلت عليه المغارم، وضاقت عليه المسالك، وكان أمره فرطاً، ولا تنس – حفظك الله – أهلك فأيقظهم لا ليلتقوا حول مسلسل هابط أو منظر خالع، ولكن ليقفوا بين يدي خالقهم، تائبين منيبين، يغسلون خطيئاتهم بدموع نادمة، وقلوبٍ باكية، لعلها أن تمحو الذنوب، ففي الحديث: ((رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلّت، ثم أيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)) [21].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ عِندَ رَبّهِمْ جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَارُ خَـٰالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوٰنٌ مّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْمُنفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأسْحَارِ [آل عمران:15-17].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد ، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله لا تغيض ينابيع فضله، فليس لإحسانه حدٌ، والى على عباده كرمَه وإنعامَه، فليس لآلائه عدّ، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد، الفرد الصمد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أفضل رسول وأشرف عبد، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، سارعوا في الخيرات وشمّروا عن سواعد الجد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاعلم – رحمك الله وأرشدك لطاعته – أن من الأسباب الميسرة لقيام الليل والمعينة عليه الإقبال على الله، وصدق التعلق به، مع حسن الظن به سبحانه، وعظم الرجاء فيما عنده، والحرص على الابتعاد عن الذنوب، فالذنوب تقسِّي القلوب، وتُقعد الهمم، وحسبك من طعامك لقيمات، فمن أكثر من الطعام ثقلت نفسه، وغلبه نومه، وقد قال وهب بن منبه رحمه الله: "ليس أحبّ للشيطان من الأكول النوام"[1].
واحرص – وفقك الله – على سلامة القلب من الحقد والحسد، واجتناب البدع، ولزوم السنة، والحرص عليها، وامتلاء القلب من الخوف من الله، مع قصر الأمل.
ولتعلم أن أشرف البواعث وأعظمها حبّ الله ومناجاته، وحب رسوله ، وحب كتابه.
أما وقت صلاة الليل فهو ممتد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ومن كل الليل صلى رسول الله ، واستقرّ ورده في السحر[2]، و((أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه))[3]، وفي المأثور من أحوال السلف منهم من يصلي الليل كله، ومنهم من يصلي نصفه، ومنهم ثلثه، ومنهم خمسه، ومنهم سدسه، ومنهم من يصلي ركعات معدودات، و((من أيقظ أهله فصليا ركعتين كُتبَا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات))[4].
ومن الآداب التي ينبغي رعايتها في صلاة الليل وقيامه أن يستفتح بركعتين خفيفتين، ثم يصلي ما كتب له، مثنى مثنى، يسلم بعد كل ركعتين، ويستحب أن يطيل القراءة، والركوع والسجود، ويقرأ ويتدبّر، ويجتهد في الذكر والدعاء، ويكثر ولا يشق على نفسه، فإن رسول الله يقول: ((عليكم بما تطيقون، فوالله لا يملّ الله حتى تملّوا)) [5]، ((وسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة)) [6].
وإن مما يحُث الهمة ويبعث القوة أن تعلم أنك في أيام فاضلة، وأوقات شريفة، في شهر مبارك، المغبون من فرط فيه، والخاسر من لم ينافس فيه، هو ميدان التسابق لقُوَّام الليل، وساحات التنافس للركّع السجود، هذه الأيام من أرجى الأيام، فليست قيمة الأيام بساعاتها، ولا قدر الليالي بطولها وعددها، وإنما قيمة الأوقات بما تحمله من خير للبشر، وسعادة للنفوس.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واغتنموا أوقاتكم، وأروا الله من أنفسكم خيراً، وتعرضوا لنفحات ربكم، ((أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)) [7].
ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله....
المنبر للخطب
| |
|