قوله : سمع الله لمن حمده :سمع : من المعروف أنها تتعدى بنفسها كما قال تعالى : (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )). [ سورة المجادلة آية : 1 ]وهنا تعدت باللام ، ولا يمكن أن نقول : إن تعديتها باللام من أجل ضعف العامل ، لأن العامل هنا فعل ، وهو الأصل في العمل ولكن نقول تعدت باللام لأنها ضمنت معنى فعل يعدى باللام .وأقرب فعل يتناسب مع هذا الفعل (( استجاب )) قال الله تعالى : [ فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أ أنثى بعضكم من بعض ] وعلى هذا فمعنى سمع : أي استجاب ، وهذا هو المراد بدلالة اللفظ ودلالة المقام عليه . أما دلالة اللفظ فهو تعدي الفعل باللام . وأما دلالة المقام فلأن مجرد السمع لا يستفيد منه الحامد ، إنما يستفيد بالاستجابة ، فإن الله يسمع من يحمده ، ومن لم يحمده .
ربنا ولك الحمد: الحمدُ: وصف المحمود بالكمال مع المحبَّة والتَّعظيم، فيُقال: حَمِدَ فلانٌ رَبَّه، أي: وَصَفَه بصفات الكمال مع محبَّته وتعظيمه، وأنه ذو احترام في قلبه. قال ابن القيم: وبهذا يُعرف الفَرْقُ بين الحَمْدِ والمدح؛ فإنَّ المدحَ: وَصْفُ الممدوح بالكمال، أو بالصِّفات الحميدة، لكن لا يلزم منه أن يكون محبوباً معظَّماً، فقد يمدحُه مِن أجل أن ينالَ غَرَضاً له، وقد يمدحُه مِن أجل أن يتَّقي شَرَّه، لكن؛ الحمدُ لا يكون إلا مع محبَّةٍ وتعظيمٍ. وبهذا نعرف قوَّةَ سِرِّ اللغةِ العربيةِ، حيث إن الحروف واحدة هنا «حمد» و«مدح» لكن لما اختلف ترتيب الحروف اختلف المعنى.وأمَّا من عَرَّفَ «الحَمْدَ» بأنه: الثناء بالجميل الاختياري، فهذا قاصر:
أولاً: لأن الثناء أخصُّ من المدح؛ لأن الثناء هو مدحٌ مكرَّر كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: «أن الإِنسان إذا قال: الحمد لله رَبِّ العالمين، قال الله: حَمِدَني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عَليَّ عبدي» ففرَّقَ اللهُ سبحانه وتعالى بين الحَمْدِ والثناء.
ثانياً: أنه بالجميل الاختياري يخرجُ الحَمْدُ على كمال الصِّفات اللازمة؛ التي لا تتعدَّى كالعظمة والكبرياء، وما أشبه ذلك، والله تعالى محمود على صفات الكمال اللازمة، وصفات الكمال المتعدية، فهو محمودٌ على كمالِهِ ومحمودٌ على إحسانِهِ سبحانه وتعالى.
ملء السماء والأرض : معنى ملء السماء : هو أن الله سبحانه وتعالى محمود على كل مخلوق يخلقه ، وعلى كل فعل يفعله ،فإن الله تعالى يستحق عليه الحمد ، ومعلوم أن السموات والأرض بما فيها كلها من خلق الله فيكون الحمد حينئذ مالئا للسماوات والأرض ؛ لأن المخلوقات تملأ السموات والأرض . وهذا أولى ؛ لأن الإنسان يستحضر به أن الله محمود وعلى كل فعل فعله وعلى كل خلق خلقه ، أما أن يقدر أنه أجسام متراكمة فهذه أيضا تختلف ؛ لأن الأجسام قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة ومعلوم الفرق بين ما ملئ بأجسام صغيرة ، وما ملئ بأجسام كبيرة لأن ما ملئ بأجسام كبيرة في الغالب يكون فيه فراغات وقدر ذلك بصاع من الأقط المقروص الذي جعل كالقرصان ، وصاع من الرز تجد الفراغات الكثيرة في الأول جون الثاني .
وقوله :وملء ما شئت من شيء بعد :هل يشاء الله من شيء بعد ؟
نعم لأن السموات والأرض تطوى وتزول ، ثم تأتي الجنة والنار فهو أعم من بقاء السماء والأرض .(( ما شئت من شيء بعد )) أي : مما لا يعلمه إلا الله .
في روايات مسلم : (( وملء ما بينهما )) وهذا نص على ما بينهما ، ولو حذفت لكان قوله :ملء السموات وملء الأرض )) مغنيا عنها ولهذا يذكر الله تعالى أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ،ويذكر أحيانا أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام .
أذكار الرفع من الركوع :
1- (البخاري ومسلم) ((ربنا! ولك الحمد)).وتارة يقول:
2- (البخاري ومسلم) ((ربنا! لك الحمد)).
وتارة يضيف إلى هذين اللفظين قوله:
3 و 4- البخاري وأحمد ((اللهم)). (البخاري ومسلم) وكان يأمر بذلك فيقول : ((إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: اللهم ربنا! لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه)). [136]
وكان تارة يزيد على ذلك إما :
5-(مسلم وأبو عوانة) ((ملء السماوات، وملء الأرض، ومل ما شئت من شيء بعد)).
وإما:
6- (مسلم وأبو عوانة) ((ملء السماوات، و[ملء] الأرض، وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد)).
وتارة يضيف إلى ذلك قوله:
7- (مسلم وأبو عوانة) ((أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).
وتارة يكون الإضافة:
8- (مسلم وأبو عوانة) ((ملء السماوات وملء الأرض،وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، [اللهم!] لا مانع لما أعطيت، [ولا معطي لما منعت]،ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).
وتارة يقول في صلاة الليل:
9- (أبو داود والنسائي بسند صحيح) ((لربي الحمد، لربي الحمد))، يكرر ذلك؛ حتى كان قيامه نحواً من ركوعه الذي كان قريباً من قيامه الأول، وكان قرأ فيه سورة البقرة)).
10- (ربنا! ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، [مباركاً عليه؛ كما يحب ربنا ويرضى] )).
قاله رجل كان يصلي وراءه صلى الله عليه وسلم بعدما رفع صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة وقال: ((سمع الله لمن حمده)) فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((من المتكلم آنفاً؟)) فقال الرجل : أنا يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مالك والبخاري و أبو داود) ((لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً)).